تحلّ الذكرى الـ 13 للانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي حققته المقاومة الباسلة على جيش الاحتلال الصهيوني في 14 آب من العام 2006 في ظلّ تطورات جديدة عزّزت من معادلات الردع التي فرضتها المقاومة خلال عدوان تموز وأحدثت المزيد من التحوّلات في موازين القوى لمصلحة محور المقاومة في المنطقة مما ولّد بيئة استراتيجية جديدة لمصلحة قوى المقاومة تحاصر كيان العدو الصهيوني المحتلّ لفلسطين والجولان السوري وأجزاء من جنوب لبنان…
لقد أدّت محاولات الحلف الصهيوني الأميركي الغربي والرجعي العربي للنيل من المقاومة والقضاء عليها أو إضعافها ومحاصرتها عبر إثارة الفتن المذهبية وشنّ الحرب الإرهابية الكونية بالوكالة على سورية ظهير المقاومة وعمودها.. تحت غطاء ما سُمّي بالربيع العربي..
لقد أدّت هذه المحاولات إلى تعزيز نتائج انتصار المقاومة في حرب تموز وتوسع دائرة محور المقاومة وازدياد قوته وتعزيز معادلاته الردعية، وفي المقابل تعمّق مأزق الحلف الصهيوني الأميركي وأدواته في المنطقة…
أولاً: على مستوى المقاومة.. فقد ازدادت قدراتها القتالية والتسليحية بعد انخراطها إلى جانب الجيش السوري في الحرب ضدّ جيوش الإرهاب التكفيري المدرّبة والمسلحة والمموّلة أميركياً وغربياً وتركياً ومن دول النفط.. وباتت المقاومة اليوم تملك من القدرات والخبرات ونوعية الأسلحة أكثر بكثير مما كانت تملكه خلال حرب تموز.. فهي إلى جانب اكتساب خبرات القتال في مختلف أنواع الحروب في المدن والجبال والصحراء، استطاعت الحصول على أسلحة كاسرة للتوازن ومن بينها الصواريخ الدقيقة القادرة على إصابة الأهداف الصهيونية في فلسطين المحتلة وخصوصاً في منطقة غوش دان، التي تشكل العمق الصهيوني الذي يضمّ التجمع السكاني الأكبر ومراكز الدولة الأساسية والمصانع والمطارات والمنشآت الحيوية الأخرى، والتي حدّدها على الخريطة قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة مع قناة «الميادين»… في تأكيد لقدرة هذه الصواريخ على تدمير كلّ هذه الأهداف في هذه المنطقة بوساطة هذه الصواريخ الدقيقة.. وأدّى ذلك إلى تعزيز معادلات الردع التي باتت تملكها المقاومة في مواجهة العدو والتي تمنعه من شنّ الحرب على لبنان وتحمي لبنان وثرواته من التهديدات والأطماع الصهيونية انْ كان في البر أو في البحر.. هذا إلى جانب احتفاظ المقاومة بقدرات ردعية حصلت عليها ولم تكشف عنها في إطار الحرب النفسية التي تخوضها ضدّ العدو من ناحية، وترك بعض هذه القدرات مجهولاً لمفاجأة العدو من ناحية ثانية في أيّ حرب مقبلة يقدم عليها..
ثانياً: على مستوى سورية،، أدّى صمود سورية وانتصارها في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية عليها إلى تعزيز قوة جيشها الذي نجح في الصمود وخوض كلّ أشكال الحروب وامتلاك كلّ الخبرات القتالية وجعله قادراً أكثر من أيّ وقت مضى على مواجهة جيش العدو الصهيوني، وهو ما يؤشر إليه تصدّي الدفاعات الجوية السورية للطائرات الصهيونية المعتدية على سورية ونجاحها في إسقاط معظم الصواريخ التي أطلقتها ومنعها من تحقيق أهدافها إلى جانب إجبارها على عدم دخول المجال الجوي السوري وإطلاق صواريخها من فوق لبنان أو فلسطين المحتلة خوفاً من إصابتها بالصواريخ السورية المحدثة.. ومثل هذا التطور في قدرات الجيش السوري شكل هزيمة كبرى لكيان العدو الصهيوني وضربة قاصمة لهدفه الرئيسي من الحرب الإرهابية على سورية وهو تدمير وتفكيك الجيش السوري وإسقاط الرئيس بشار الأسد الذي يقود هذا الجيش وفق عقيدة وطنية وقومية مقاومة شكلت السند والظهير المهمّ للمقاومة في كلّ معاركها في مواجهة الاحتلال الصهيوني واعتداءاته…
ثالثاً.. على مستوى المقاومة الفلسطينية.. لقد أدّى تزايد قدرات المقاومة وصمود سورية وانتصارها إلى تعزيز قوة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ورفع معنوياتها إلى جانب نجاحها في تطوير قدراتها الصاروخية الردعية في مواجهة العدو الصهيوني التي اختبرتها في الحروب والاعتداءات المتتالية التي شنّها العدو على القطاع.. وأدّت إلى تكريس معادلة الردع في مواجهته ودفعه الى التراجع عن التوغل في عدوانه في كلّ مرة كان يحاول فيها تغيير قواعد الاشتباك واستعادة قوّة جيشه الردعية التي فقدها.. مما جعل هذا الجيش في وضع مزر من الناحية المعنوية… وبات السؤال الذي يطرح إسرائيلياً: إذا كان هذا هو حالنا في مواجهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر.. فكيف سيكون حالنا في حال قمنا بشنّ الحرب على لبنان حيث حزب الله بات قوة إقليمية يمتلك ترسانة من الصواريخ والأسلحة المتطورة والكاسرة للتوازن.
رابعاً.. على مستوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضا نجحت إيران الثورة.. التي شكلت ولا تزال تشكل قوة دعم أساسية للمقاومة وسورية.. في إحباط كلّ الخطط الأميركية الغربية المدفوعة بتحريض صهيوني للنيل من منعتها واستقلالها وتماسكها وصولاً إلى اسقاط كلّ محاولاتها إخضاعها وحرمانها من امتلاك كلّ عناصر القوة الاقتصادية والعسكرية والعلمية والتقنية النووية.. ودفعها إلى التخلي عن ثوابت ثورتها الإسلامية التحررية في مساندة ونصر المستضعفين في العالم.. لا سيما دعم المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني في فلسطين ولبنان لتحرير الأرض واستعادة الحقوق السلبية والمغتصبة من قبل الصهاينة المحتلين.. واليوم تمكّنت إيران الثورة من فرض معادلات القوة في مواجهة الحصار الأميركي والتهديد بالعدوان على إيران والفرصنة البريطانية ضدّ ناقلتها النفطية في مضيق جبل طارق.. وتجلت هذه المعادلات في إسقاط طائرة التجسّس الأميركية واحتجاز ناقلة نفط بريطانية رداً على احتجاز ناقلتها.. مما أدّى إلى ردع العدوانية الأميركية، وأجبر بريطانيا على البحث عن تسوية وفق شروط إيران التي أصرّت على التعامل بندية وإطلاق ناقلتها أولاً قبل الإفراج عن الناقلة البريطانية.. وهذا ما حصل فاضطرت لندن للاستجابة والقبول به أمام حزم وصلابة موقف القيادة الإيرانية.. الأمر الذي شكل انتصاراً مهمّاً لإيران وأظهر حدود القدرة الأميركية البريطانية وأنّ محاولات واشنطن إخضاع إيران لشروطها التفاوضية لتعديل الاتفاق النووي بحيث يلبّي مطالب الكيان الصهيوني لناحية وقف البرنامج الصاروخي الإيراني وتوقف إيران عن مواصلة دعم المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني والوقوف إلى جانب سورية في مواجهة الإرهاب والاحتلال ومناصرة الشعب اليمني في مواجهة الحرب الأميركية السعودية الوحشية…
خامسا: نجاح العراق في تحرير أراضيه من تنظيم داعش الإرهابي الذي شكل حصان طروادة أميركي لإعادة العراق إلى فلك الهيمنة الاستعمارية الأميركية، ومنع العراق من التحرّر من هذه الهيمنة، وأن يكون حليفاً لإيران وسورية.. وأدّى ذلك إلى إحباط هذا المخطط الأميركي لتعويض هزيمته أمام المقاومة العراقية التي أجبرته على الانسحاب من العراق عام ٢٠١١.. وجعل العراق اليوم جزءاً من محور المقاومة نتيجة التحوّل في توازن القوى الداخلي الذي حصل بعد الانتصار على داعش لمصلحة قوى المقاومة العراقية الممثلة بفصائل «الحشد الشعبي» التي تقف بقوة ضدّ استمرار بقاء قوات أميركية في العراق.. وظهر هذا التحوّل في التنسيق السوري العراقي وفتح الحدود بين البلدين في سياق تعزيز العلاقات على الصعد كافة..
سادساً: على مستوى اليمن.. فشل الحرب السعودية الأميركية في تحقيق أهدافها والمؤشرات التي بدأت تظهر انتصار القوى اليمنية التحررية بقيادة «أنصار الله»… من خلال نقل الحرب إلى الداخل السعودي وتفكيك حلف العدوان وقرار الإمارات بالانسحاب من الحرب مما أبقى السعودية وحيدة تعاني من تفاقم كلفة حرب الاستنزاف والغرق في المستنقع اليمني.. الأمر الذي يضع اليمن على طريق تكريس انتصاره وتحرره من الهيمنة السعودية الأميركية ليكون جزءاً من محور المقاومة في مواجهة قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية وسنداً قوياً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وسورية..
إنّ هذه التطورات تؤكد أنّ نتائج انتصار تموز عام 2006 ترسّخت وتعزّزت وباتت المقاومة أقوى وأقدر في أيّ مواجهة مقبلة مع العدو الصهيوني وتستطيع كما قال السيد حسن نصرالله في احتفال بنت جبيل بالمناسبة أن تدمّر الأولوية والدبابات الصهيونية على الهواء مباشرة في حال دخلت إلى جنوب لبنان.. في حين يعترف رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي سابقاً أنّ «إسرائيل» هشة وأنّ صواريخ حزب الله الدقيقة قادرة على توجيه ضربات مؤلمة لها في ايّ حرب تحصل.. وهو ما جعل قادة الاحتلال وخبراء صهاينة في حال عدم اليقين بتحقيق الانتصار في الحرب المقبلة.. هذا إلى جانب أنّ «إسرائيل» باتت في مواجهة جبهة للمقاومة ممتدّة من لبنان مروراً بسورية وغزة والعراق واليمن وصولاً إلى ايران.. تحاصر كيان العدو الصهيوني على نحو لم يحصل سابقاً على مرّ تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني…